تنبّهت الحياة..حياة نفس إنسان من بنى البشر يوماً ما، تيقّظت فيها الروح وسألت صاحبها "أتدرى ان كنت تريد تلك الحياة ؟؟"
فردّت ذات صاحبها : "ما هذا السؤال الغريب..أما تدرين قيمتك أيتها الحياة ؟ أما تعلمين أهميتك ؟ كيف تسألين مثل هذا السؤال ؟"
دار بخاطر تلك الحياة "أما وقد تجسّدت أيام تلك النفس التائهة، فلا أدرى أين الملاذ ؟ لا أجد جدوى من مرافقتها الطريق".
فكرّرت الحياة نفس السؤال: "فهلا تعتقد أيها الإنسان أن حياتك حقاً تساوى ثمن بقائها ؟"
فأجابت نفس صاحب تلك الحياة بما لم تتوقعه الحياة لصاحبها يوما من الأيام.
أجاب قائلآ: "أما تدرين بأنك أغلى من أن تضيعي هباءًا، لطالما علمّتني الأيام أنك أغلى من أن تضيعي من بين يدىّ دون أن تكوني
عظمة لهذا الوجود".
فاستغربت الحياة كلمات تلك النفس وكأنها قد رافقت كل تلك الأيام وطيلة هذه السنيين نفس إنسان مختلف فلم تتخّيل يومًا أن تكون
تلك نظرته.
وفاجأته الحياة بسؤال: "إذن وما تلك العظمة التي تظنها لي ، ومن أين ستستمد تلك العظمة ؟؟"
أجاب الإنسان: "أجّل فلتعلمي أيتها الحياة أن الرسالة هي قيمتك الحقيقية وبدونها فأنت شبح الحياة رسالة تجدين لك من خلالها دورًا
في تلك الحياة وأجد لي معك دورًا فيها، فتكوني لي فيها نعم الرفيق.
ردّت الحياة على كلمات الإنسان بكلمات لم ولن ينساها قلب ولا نفس إنسان سمعها يوم من الأيام أجابته بكلمات عجزت أمامها أي
نفس أن ترد دون تلك الكلمات.. قالت : "نعم.. لطالما أدركت أيها الإنسان ماهبتي في عمرك وقيمتي إليك، فأنت تستحق أن تحياها،
تحياها فقط لتثبت أن الرسالة هي روح الحياة، وحياة قلب أو نفس لم تشرق من قريب أو بعيد على ذاتها نور الرسالة فهي ظلام،
تتوه بين أجوائه نفس ذاك القلب حتى تجد تلك الحياة وقد ضاعت من بين يديها دون أن تعرف متى بدأت فكيف ستعرف أين ستنتهي
بها ؟؟
نعم.. من لم يدرك قيمتي، فقد كتب له التيه.. تيه دائم في ظلام الحياة، لا تجد منه مخرجاً إلا إذا أدركت قيمتي وأهميتي في رفقتك.
وعندما تتلمّس نفسك تلك الحقيقة وتدرك صحتها وتتمنى لو أن الحياة قد مُدّت لك لتبنيها من جديد، هنا وهنا فقط فلتعلم أنك قد بدأت
الحياة.
عندما تلوح لك الأهداف والأماني والآمال، وتجد أيامك قد طُوعت من أجل رعايتها والإعتناء بها.. فلتعلم أنه بالفعل قد بدأت حياتك،
فحياتك قد بدأت حين بدأت أيامك تروي عطش رسالتك وتسطّر غاياتك واقعاً يوماً بعد يوم.
نعم قد بدأت حياتك..عندما أدركت نفسك نُبل تلك الغايات وأنها سبيلك الوحيد في تلك الحياة..أدركت أنك تعيش حياة.. وحياة واحدة،
ولكن عليك أن تصنع بتلك الحياة الواحدة أعماراً عديدة تظل تحفر يوماً بعد يوم اسماً لك بين أمجاد الصالحين الناجحين.
وإليك أيتها النفس كلمات من حياة عظيمة لنفس عظيمة، لطالما أدركت قيمة حياتها، وعظمتها، وسطرت بأيامها مالم تسطّره أعمار
بل حياة الكثييرين، لقد تحدثت تلك النفس عن الحياة وعن كيفية استمدادها لقيمتها الحقيقية، وأدركت السبيل الوحيد لبيان الماهية
الإنسانية.. والإنسانية الحقيقية فقط، فقالت :
"إنّ النفس البشرية حين تستعلن فيها حقيقة الإيمان تستعلى على قوة الأرض وتستهين ببأس الطغاة، وتنتصر فيها العقيدة على الحياة
وتحتقر الغناء الزائل إلى جوار الخلود المقيم، إنها لا تقف لتسأل ماذا ستأخذ وماذا ستدع؟، ماذا ستقبض وماذا ستدفع؟، ماذا ستخسر
وماذا ستكسب؟، وماذا ستلقى في الطريق من صعاب وأشواك وتضحيات؟ لأن الأفق المشرق المضيء أمامها هناك، فهي لا تنظر
إلى شيء في الطريق.
إنّ الإسلام عقيدة قلوب ومنهج تربية لهذه القلوب والعاطفة الكريمة تهذب صاحبها.
ولتعلم أنه لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان ولم تصبح كائناً حياً دبّ على وجه الأرض في صورة بشر كذلك لا وجود لشخص
في هذا المجال لا تُعمّر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلاص.
ولتضع نصب أعينك أنّ النابهون فينا يقضون الشطر الأول من أعمارهم قبل أن يعرفوا طبيعة الحياة، أما الآخرون فيخرجون من
الحياة الدنيا إلى عالم الآخرة قبل أن يتعرفوا عليها.
ولتعلمي أيتها النفس أنّ أسعد السعداء من عرف غايته وأدّى رسالته قبل أن يعجز أو يموت، وأشقى الأشقياء من جهل غايته ورسالته
أو غفل عنها وأهملها وشغله متاع الدنيا الزائل عنها إلى أن عجز أو مات.
تلك رسالة حياة دونتّها نفس صاحبها، فبماذا تحدثك الحياة؟؟